علم الفلك
المنظومة الشمسية
كان يطلق الإغريق على الشمس “Helios”، والرومان كانوا يطلقون عليها “sol”. وكانت بداية تكوُّن المنظومة الشمسية منذ 4.6 بلايين سنة كسحابة غازية دوارة، ومع الوقت بردت السحابة وتجمَّعت لتكون أجساماً كبيرة مكونة الكواكب الأولية، وما تبقَّى من مواد كوَّنت المذنبات والأجسام الفضائية التي تتجول في صمت بين أنحاء المجموعة الشمسية. وبالصدفة بعد 100 مليون سنة سخنت كرة الغاز وسط السحابة بشدة وانفجرت انفجاراً نووياً شديداً، لتولد منها الشمس كنجم أشبه بأي نجم له سيرة حياة نهايتها الموت. وتعتبر الشمس نجماً من بلايين بلايين النجوم في الكون. وكل ما يحتويه جسمك من كيماويات ابتداءً من الكالسيوم في عظامك حتى الزنك في شعرك قد تكونت في قلوب النجوم المستعرة طوال 12 بليون سنة. والضوء يقطع بلايين السنين ليصلنا من النجوم للأرض، وليعطينا مؤشّراً عن حجم النجم ووزنه ومكوناته الكيماوية وعمره من خلال هذا الضوء النجمي الوافد.
والأقدمون لاحظوا حركات الكواكب التي كانت تُرَى من فوق كوكب الأرض بالليل، وهذه الكواكب بخلاف الشمس وغيرها من النجوم لا ينبعث منها الضوء مباشرةً لأنها تسطع، حيث تعكس كالمرايا ضوء الشمس. وتعتبر الشمس نجماً في مركز المجموعة الشمسية، تدور حولها كل الكواكب. وسطح هذه الكرة النارية المتوهجة علي الدوام درجة حرارتها 5,500 درجة مئوية، وقلبها يصل درجة حرارة 15,6 مليون درجة مئوية. والشمس حجمها كبيرٌ أكبر من حجم الأرض لدرجة يمكنها أن تستوعب أكثر من مليون أرض بداخلها، وهي تدور حول نفسها دوراناً مغزلياً حول محور مركزيّ كما يحدث في الكواكب من حولها، لكن هذا الدوران ليس بالسهولة أو الانسيابية التي تدور بها الأرض حول نفسها. وتقع أنشطة البقع الشمسية فوق الشمس عندما تتقاطع غازاتها معاً أثناء دورانها معها، والشمس دورانُها ليس دوراناً انسيابياً كدوران الأرض، لأن الشمس ليست كتلة صلبة، لهذا غازات القطبين الشمسيَّين تدور بسرعات متفاوتةٍ بالنسبة للغازات حول خط الاستواء، ممَّا يجعل الحقول المغناطيسية بهما تنحرف, وهذا يسبب انحرافات مغناطيسية تظهر كبقع شمسية داكنة فوق سطح الشمس. وهذا التعقيد في الحقل المغناطيسي شديد بدرجة تجعله ينكمش، ويجعل القطبين الشمالي والجنوبي يتبادلان مكانَيهما. وتتكرر هذه العملية بصفة مستمرة، ويطلَق عليها دورة الشمس، والدورة الكاملة تستغرق 22 سنة. والسفر للشمس مستحيل مهما كانت شدة تحمل المركبات للحرارة العالية، وعدم استطاعة الوصول إليها ليس بسبب شدة الحرارة فقط، ولكن بسبب الرياح الشمسية حولها الشديدة جداً لدرجة تُغيَّر من مسار أي مركبة تقترب من الشمس لشدة هذه الرياح. والشمس لشدة جاذبيتها جعلت الكواكب في مكانها تدور حول مركز الشمس.
وتتكون المجموعة الشمسية من الشمس (النجم الوحيد في مجموعتنا الشمسية)، وتدور حولها 9 كواكب، حيث يدور حولها أكثر من 100 قمر وعددٌ لا حصر له من الأجسام الصغيرة كالكويكبات والمذنبات. وتوجد جميعها في الوسط بين الكواكب، الذي نطلق عليه تجاوزاً الفضاء، مكونة المنظومة الشمسية. والمجموعة الشمسية تنقسم لقسمين:
- قسم داخلي يحتوي الشمس وكواكب: عطارد والزهرة والأرض وقمرها والمريخ.
- قسم خارجي يحتوي الكواكب الخارجية: المشتري وزحل وأورانوس ونبتون.
وبصفة عامة محيطات دوران هذه الكواكب حول الشمس بيضاوية تقريباً، ما عدا زحل وبلوتو، فمحيطاهما تقريباً دائريَّان. لكن كل المحيطات التي تدور فيها الكواكب حول الشمس كلها في مستوى واحد، ويُطلَق عليها مسار الشمس (ecliptic)، ما عدا الكوكب القزم بلوتو فهو ينحرف قليلاً عن هذا المستوى، وكل هذه الكواكب تدور في اتجاه واحد باتجاه عكس عقارب الساعة.
وهناك الكويكبات (asteroids) وهي عبارة عن أجسام صخرية صغيرة داخل النظام الشمسي، وتدور حول الشمس، ولا سيما بين كوكبي المريخ والمشتري، وفي أماكن أخرى وحول الشمس ذاتها. وأما المذنبات فهي عبارة عن أجسام جليدية، تأتي من خارج المجموعة الشمسية أو تخرج منها، ومداراتها طوبلة جداً ومنتشرة بطريقةٍ غير منظَّمة ومبعثرة داخلها. وبعض المذنبات تنتهي بالفشل، بحيث لا يمكن تفرقتها عن الكويكبات. وهناك الأقمار التابعة للكواكب التي تدور حول كوكبها الخاص بها كما يفعل قمر الأرض، ومحيط دورانها في مستوى دوران الكواكب، وأحجامها مختلفة. وهناك أقمار عديدة أكبر من كوكب بلوتو، وقمران أكبر من كوكب عطارد. وهناك أقمار تصطدم بها الكويكبات التي تُحدِث بها فوهات وندوب وحفر.
نظرة عامة
كان الفلكيون القدماء مشغولين بمحيط الفضاء منذ آلاف السنين، فلاحظوا نقاطاً مضيئة تتجوَّل بين النجوم في السماء، فأطلقوا عليها الكواكب السيارة. وأطلقوا عليها أسماءً رومانية هي:
- Mercury (عطارد): معناه بالرومانية رسول الآلهة.
- Venus (الزهرة): معناها بالرومانية إله الحب والجمال.
- Mars (المريخ): معناه إله الحرب.
- Jupiter (المشتري): معناه ملك الآلهة.
- Saturn (زحل): معناه أبو جوبتر وإله الزراعة.
وقد لاحظ الفلكيون القدماء الكويكبات والشهب التي لها ذيل متوهّج وهي تتهاوى، وأطلق عليها العرب النجمة أم ذيل.
وكان القدماء يعتقدون أن الأرض مركز الكون، وكل النجوم بما فيها الشمس تدور حولها. لكن العالم كوبرنيق في القرن 16 أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الأرض والكواكب في مجموعتنا الشمسية تدور في محيطاتها حول الشمس، ولم يصدّقه علماء الفلك حتى جاء نيوتن ووضع قوانين الحركة. وقد تبدو الأرض لنا أنها مكان جميل وكبير، بينما الواقع أن كوكب المشتري أثقل منها بـ317 مرة وكوكب زحل يكبرها وزناً 95 مرة. ورغم كبر هذه الكواكب نجد الشمس تضمُّ وحدها 99,98% من كتلة المجموعة الشمسية لشدة جاذبيتها، والشمس تكبر الأرض بحوالي 109 مرات في الحجم. بعد اختراع التلسكوب (المقراب) اكتشفت ثلاثة كواكب في المجموعة الشمسية، هي كوكب أورانوس (عام 1781) وكوكب نبتون (عام 1864) وكوكب بلوتو (عام 1930، قبل إعادة تصنيفه ككوكب قزم). كما اكتشفت آلاف الأجسام صغيرة الحجم كالمذنبات والكويكبات.
يطلق على الكواكب الأربعة القريبة من الشمس (عطارد والزهرة والأرض والمريخ) اسم الكواكب الأرضية، لأنَّ لها صخوراً علي سطحها، وهذه الكواكب الأربعة الصخرية التي يطلق عليها الكواكب الأربعة الأرضية صغيرة نسبياً ومكونة من نفس المواد الموجودة فوق الأرض. وأما الكواكب الأربعة فيما وراء مدار المريخ (وهي المشتري وزحل وأورانوس ونبتون) فيطلق عليها الكواكب العملاقة الغازية، لأنها كواكب غازية لا توجد فوقها أرض صلبة لنقف فوقها. وتصنف الكواكب أيضاً حسب خواصها الطبيعية، فالكواكب الأربعة الأرضية – عطارد والزهرة والأرض والمريخ – يطلق عليها الكواكب الكواكب الداخلية، لأن مداراتها تقع قريباً من الأرض وضمن نطاق حزام الكويكبات حول الشمس، وهي ثقيلة وصغيرة الحجم وصخرية القشرة وجامدة، وفي قلبها مصهورات معدنية (ما عدا عطارد، فجوه غازي تتسرَّب منه العناصر الخفيفة لقلَّة قوة جاذبيته). وهذا هو عكس الكواكب العملاقة الغازية التي تقع وراء حزام الكويكبات، والتي يطلق عليها الكواكب المشترية (Jovian planets)، فكلُّها أحجامها وكتلها كبيرة جداً، لكن كثافتها قليلة، ويعتبر المشتري أثقل الكواكب مجتمعة: فكتلته أثقل من الأرض 318 مرة وحجمه أكبر من حجمها 1,300 مرة، ممَّا جعل كثافته أقل وتعادل ربع كثافة الأرض. وزحل كتلته تعادل 95 مرة وزن الأرض، وكثافته أقل من كثافة الماء التي تعادل 1 جم/ سم3. فالكواكب المشترية الغازية العملاقة جوها كثيف ويتكون من الهيدروجين ومركباته والهيليوم، وتتكون هذه الكواكب من غازاتٍ وسوائل وليس فيها ماء، ولها حلقات حولها وأقمار عديدة، وهذه الحلقات مكونة من غازات الهدروجين والهيليوم وجليد ماء والأمونيا والميثان وأول أكسيد الكربون. ويقع الكوكب القزم بلوتو على حافة المنظومة الشمسية، وكان يعتبره الكثيرون في الماضي مذنباً كبيراً لا كوكباً، لأن مكوناته أشبه بمكونات المذنب الذي يتكون عادة من جليد وصخور، لكن مداره يختلف تماماً عن مدارات المذنبات وبقية الكواكب. وقد كان بلوتو – قبل إعادة تصنيفه ككوكب قزم – أبعد الكواكب التسعة وأصغرها، لكنه مغطى بالجليد الصلب بنسبة أكبر من الكواكب الأرضية الأربعة.
كما أن هذه الكواكب الأرضية يطلق عليها الكواكب السفلى أو الكواكب الداخلية، لأن مداراتها تقع بين حزام الكويكبات والشمس، والكواكب العملاقة الغازية يطلق عليها الكواكب العليا لأن مداراتها خلف حزام الكويكبات. والكواكب الأرضبة الأربعة – عطارد والزهرة والأرض والمريخ – تشبه الأرض في أحجامها ومكوناتها الكيماوية وكثافتها، لكن فترة دورانها حول نفسها متراوحة. فبينما نجد المريخ والأرض يدوران حول نفسيهما دورة كاملة كل 24 ساعة، نجد الزهرة يدور حول نفسه في 249 يوماً.
والكواكب العملاقة الغازية – كالمشتري وزحل وأورانوس ونبتون – نجدها أكبر حجماً من الكواكب الأرضية، وغلافها الجوي سميك وغازي، وكثافتها أقل، ومدة دورانها حول نفسها تتراوح ما بين 10 ساعات للمشتري و15 ساعة لنبتون. وهذا الدوران السريع يتسبب في تفلطح القطبين بنسبة 2% -10%، ممَّا يجعل الكوكب بيضاوياً أكثر منها كروياً.
وتقريباً كل كوكب – وبعض الأقمار – لها غلاف جوي محيط بها. فغلاف الأرض الجوي يتكون أساساً من الأكسجين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون. وجو كوكب الزهرة به نسبة عالية وكثيفة من غاز ثاني أكسيد الكربون، وآثار من الغاز السام ثاني أكسيد الكبريت، ممَّا يصعب الحياة به. بينما جو كوكب المريخ به غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة قليلة. لكن كواكب زحل وأورانس ونبتون بها نسبة عالية من غازي الهيدروجين والهليوم. وعندما يقترب كوكب بلوتو القزم من الشمس يترقرق جوه، وعندما يبتعد عنها في مداره يتجمد وينكمش ويسلك كالمذنب. ولو زُرتَ كوكباً من الكواكب التسعة سيختلف عمرك ووزنك فوقه، لأن لكل كوكب جاذبيته الخاصة وسنينه وأيامه التي تختلف مدتها من كوكب لآخر، كما أنه يختلف في ضغطه الجوي وطول مداره حول الشمس وجاذبيته وحرارته ومكونات جوه وكثافته.
ويوجد أكثر من 100 قمر يدور حول الكواكب المختلفة في مجموعتنا الشمسية، وهي تتراوح في حجمها بين أجسام أكبر من قمرنا إلى أجسام صغيرة. وكثير من هذه الأقمار قد اكتشفتها المركبات الكوكبية الفضائية وصوَّرتها. وبعضها لها جو محيط كقمر تيتان حول زحل، وأخرى جوها عبارة عن مجالات مغناطيسية كقمر جانيميد حول كوكب المشتري، الذي يعتبر من أكثر الأقمار نشاطاً بركانياً في المجموعة الشمسية. وسطح القمر أوروبا حول كوكب المشتري متجمد، بينما قمره غنيميد يشهد – كما يبدو في الصور – حركة في الصفائح الجليدية بسطحه. وبعض الأقمار الكوكبية عبارة عن مذنبات أسرتها جاذبية الكوكب نفسه، واعتبرت أقماراً تابعة لكواكبها، كقمري فوبوس وديموس حول المريخ، وأقمار حول كوكب المشتري، وقمر فوب حول كوكب زحل، وأقمار كوكب أورانوس الجديدة، وقمر كوكب نبتون نيريد.
فمنذ عام 1610 وحتى عام 1977 كان يُظَنُّ أن كوكب زحل هو الكوكب الوحبد الذي له حلقات حوله. لكن حالياً نعرف أن كواكب المشتري وأورانوس ونبتون كلها لها نظام حلقي، رغم أن كوكب زحل أكبر هذه الكواكب الحلقية. ومكونات هذه الحلقات تختلف، وتتفاوت أجسامها في الحجم من الغبار إلى الصخور والكتل الجليدية. ومعظم الكواكب لها مجالات مغناطيسية تمتدُّ في الفضاء حول كل كوكب، وهذه المجالات تدور مع دوران الكوكب نفسه، لتكنس معها الجسيمات المشحونة حوله. والشمس لها أيضاً مجالها المغناطيسي حولها، والذي يجذب كل المجموعة الشمسية بداخله.
المصدر: كتاب تاريخ الفلك
تأليف: د. أحمد محمد على عوف
2004 م