تسبَّبت الزلازل الضخمة التي تشهدها دول عدة في دور مفيد على المستوى العلمي، إذ أسهمت في كشف حقيقة مثيرة في اللب الداخلي.
وأوضح علماء أن دراسة مكثفة عن أعماق كوكب الأرض، استناداً إلى حركة الموجات الزلزالية الناشئة عن الزلازل الضخمة، أكدت وجود بنية مميزة واضحة المعالم داخل اللب الداخلي لكوكب الأرض.
وبيَّنوا أن هذه البنية المكتشفة عبارة عن كرة صلبة مستعرة من الحديد والنيكل قطرها 1350 كيلومتراً.
ويبلغ قطر الأرض نحو 12750 كيلومتراً، وتتألف البنية الداخلية من أربع طبقات عبارة عن قشرة صخرية من الخارج ثم غطاء صخري (وشاح) بعده لب خارجي من الحمم ثم اللب الداخلي الصلب.
واكتُشف هذا اللب الداخلي المعدني، البالغ قطره 2440 كيلومتراً تقريباً، في ثلاثينيات القرن الماضي، بالاستناد أيضاً إلى الموجات الزلزالية التي تنتقل خلال الأرض.
وافترض علماء في 2002 أن قسماً عميقاً منفصلاً عن البقية مختبئ داخل هذا اللب الداخلي، وهو ما يشبه دمية ماتريوشكا الروسية، وتسنى بعد تقدم وسائل مراقبة الزلازل تأكيد هذا الافتراض.
وتطلق الزلازل موجات تنتقل عبر الكوكب، ويمكنها كشف ملامح بنيته الداخلية استناداً إلى الشكل المتغير لهذه الموجات.
وحتى الآن، استطاع علماء تحديد أن هذه الموجات يمكنها أن ترتد لما يصل إلى مرتين، بدءاً من أحد أطراف الأرض إلى الطرف الآخر ثم العودة.
وركزت الدراسة الجديدة على موجات 200 زلزال تزيد قوتها عن ست درجات، وهي ترتد مثل كرات البينغ بونغ لما يصل إلى خمس مرات عبر الكوكب.
وقال تان-سون فام، من الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا، وهو رئيس فريق الدراسة المنشورة في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز» العلمية: «ربما نعرف المزيد عن سطح الأجرام السماوية البعيدة الأخرى أكثر مما نعرف عن البنية الداخلية العميقة لكوكبنا».
وأضاف فام: «حللنا سجلات رقمية للحركات الأرضية، المعروفة باسم مخططات الزلازل، بعد زلازل ضخمة في العقد الأخير. وأمكن القيام بدراستنا بفضل التوسع غير المسبوق لشبكات رصد الزلازل في العالم، وتحديداً الشبكات الكثيفة في الولايات المتحدة وشبه جزيرة ألاسكا وفي جبال الألب الأوروبية».
والقشرة الخارجية والجسم الكروي المكتشف حديثاً الموجودان في اللب الداخلي ساخنان بما يكفي لينصهرا معاً، لكنهما عبارة عن خليط من الحديد والنيكل، وسبب ذلك أن الضغط الهائل الواقع على مركز الأرض يجعل اللب في حالة صلبة.
وقال هرفويه تكالتشيتش، عالم الجيوفيزياء بالجامعة الوطنية الأسترالية والمشارك في الدراسة: «أود التفكير في اللب الداخلي على أنه كوكب داخل الكوكب. بالطبع، إنه كرة صلبة، في حجم كوكب بلوتو تقريباً وأصغر بقليل من القمر».
وأضاف تكالتشيتش: «إن تمكنا بطريقة ما من تفكيك الأرض من خلال نزع وشاحها واللب الخارجي السائل، فسيبدو اللب الداخلي لامعا مثل النجم. وتُقدر حرارته بنحو 5500 درجة مئوية إلى ستة آلاف درجة مئوية، وهي حرارة مماثلة لدرجة حرارة سطح الشمس».
وقال فام إن الانتقال من الجزء الخارجي للب باطن الأرض إلى الجسم الكروي الأعمق يبدو أنه انتقال تدريجي وليس انتقالاً بين حدود فاصلة وواضحة.
واستطاع الباحثون التفريق بين المنطقتين نظراً لاختلاف سلوك الموجات الزلزالية بينهما.
الجدير بالذكر أنه في رواية (جيرني تو ذا سنتر أوف ذي إيرث) «رحلة إلى مركز الأرض» الكلاسيكية، الصادرة عام 1864، يحكي جول فيرن قصة مغامرين دخلوا إلى باطن الأرض عبر بركان في أيسلندا، ليكتشفوا عالماً شاسعاً تسكنه مخلوقات من قبل التاريخ، ويستكشفوا البنية الداخلية للكوكب، لكن مركز الأرض الحقيقي لا يمتّ بصلة إلى هذا التصور الخيالي، بل بدا أكثر إثارة.
المصدر : رويترز